في محطة حاسمة من المسار التشريعي، أنهى مجلس النواب اليوم مسار مشروع قانون المالية لسنة 2026، بعدما صوّت عليه في قراءة ثانية، مُكرِّساً بذلك اعتماد الوثيقة المالية الجديدة رغم استمرار النقاش السياسي حول نسب الحضور والغياب داخل المؤسسة التشريعية.
ففي الجلسة العامة، مرّ مشروع القانون دون عراقيل تُذكر، حيث حصد موافقة 80 نائباً مقابل رفض 25، من دون تسجيل أي امتناع. غير أن المعطى الذي لفت الانتباه هو منسوب الغياب المرتفع، إذ لم يتجاوز حضور البرلمانيين 26.6 في المئة، ما يعيد من جديد السؤال القديم المتجدد حول أداء النواب وحدود التزامهم بحضور جلسات التصويت على أهم وثيقة مالية في البلاد.
اللجنة المختصة بدورها أنهت تداولها في النص صباح اليوم، بعد أن وافقت عليه في إطار القراءة الثانية بـ17 صوتاً، مقابل امتناع ثمانية أعضاء، ودون أي تصويت معارض. وقد عرض فوزي لقجع، الوزير المنتدب المكلف بالميزانية، حصيلة التعديلات التي أدخلها مجلس المستشارين، قبل أن تُحسم بعضها بالأغلبية وتُقَرّ تعديلات تقنية أخرى بالتوافق.
وعلى مستوى الغرفة الثانية، كان التصويت بدوره إيجابياً في مجمله، حيث نال مشروع القانون تأييد 36 مستشاراً، مقابل 12 صوتاً معارضاً و6 ممتنعين، مع تسجيل نفس المؤشرات بين الجزءين الأول والثاني من المشروع. ورغم تشبث المعارضة النقابية بعدد من المقترحات، فإن الحكومة رفضت التعديلات التي سبق إسقاطها داخل اللجنة، مؤكدة أن مبررات عدم تبنيها مازالت قائمة.
ومن بين أبرز التغييرات الضريبية التي تم اعتمادها، قرار رفع نسبة الخصم الممنوح للشركات الرياضية مقابل الهبات النقدية والعينية من 10 إلى 20 في المئة، بشرط ألا يتجاوز السقف خمسة ملايين درهم سنوياً. ويُنظر إلى هذا الإجراء على أنه خطوة لدعم النموذج الاقتصادي للأندية الرياضية وتشجيع استثمارات القطاع الخاص فيها.
كما وافقت الحكومة على بدء تعميم نظام توسيع نطاق الاقتطاع عند المنبع بالنسبة للضريبة على الشركات والضريبة على القيمة المضافة بشكل تدريجي، وفق عتبات ترتبط برقم المعاملات، ابتداءً من يوليوز 2026 إلى غاية يناير 2028. ويُنتظر أن يكرّس هذا التدرج انتقالاً سلساً نحو رقابة ضريبية أشدّ صرامة وشفافية.
وفي خطوة ذات بعد مؤسساتي، أُقرّ بالإجماع إحداث حساب خاص بعنوان “صندوق تدبير المصالح المالية للجماعات الترابية”، يهدف إلى مواكبة الورش الهيكلي لنقل اختصاصات الوعاء والتحصيل من الخزينة العامة إلى المديرية العامة للضرائب، في إطار إعادة هندسة مالية الجماعات المحلية وتعزيز استقلاليتها.
وعلى صعيد التوظيف العمومي، شدّد لقجع على أن توزيع المناصب المالية يخضع لقراءة دقيقة لحاجيات كل قطاع، مع إعطاء الأولوية للأمن والتعليم والصحة. واعتبر أن دعم الموارد البشرية في القطاعات الأمنية “شرط أساسي لضمان الاستقرار”، مؤكداً أن أي إصلاح أو تنمية لا يمكن أن يتم بمعزل عن تعزيز منظومة الأمن.
بهذه المصادقة، تكون الحكومة قد أنهت آخر العقبات أمام دخول قانون المالية لسنة 2026 حيّز التنفيذ، فيما يبقى النقاش السياسي مفتوحاً حول حضور النواب وفاعلية الرقابة البرلمانية، في لحظة تحتاج فيها البلاد إلى تعبئة سياسية ومؤسساتية متكاملة لمواجهة التحديات الاقتصادية والاجتماعية المقبلة.