لم يكن حلم متابعة الدراسة بالخارج سوى بوابة عبور نحو مأساة إنسانية عاشها عشرات الشبان والشابات، بعدما تحوّل الوعد إلى سراب، وانتهى المسار خلف أسوار السجن المحلي لوداية، حيث أودِع شخصان رهن الاعتقال الاحتياطي بأمر من النيابة العامة لدى المحكمة الابتدائية بمراكش، للاشتباه في تورطهما في أفعال النصب والاحتيال.
تفاصيل الملف، كما كشفت عنها معطيات متطابقة، تشير إلى أن المعنيين بالأمر قاما بإنشاء وكالة بحي المحاميد التابع لمقاطعة المنارة، قدّماها في صورة وسيط “تعليمي” قادر على فتح أبواب الجامعات الصينية أمام الشباب المغربي، مستندين إلى إعلانات مغرية وخطاب يوحي بالجدية والاحتراف، في غياب أي سند قانوني أو أكاديمي حقيقي.
ومع توالي الوعود، توالت أيضاً عمليات استخلاص الأموال من الضحايا، حيث تم تسلّم مبالغ مالية مهمة، تجاوزت في بعض الحالات 60 ألف درهم للفرد الواحد، بدعوى تغطية تكاليف التسجيل والسفر والإقامة، قبل أن يتضح لاحقاً أن كل ذلك لم يكن سوى جزء من مخطط محكم للإيقاع بالضحايا.
المأساة الحقيقية بدأت بعد مغادرة بعض الشبان للتراب الوطني، إذ وجدوا أنفسهم خارج أي إطار دراسي أو إداري، دون تسجيل في مؤسسات تعليمية، ودون دعم أو متابعة، لتتحول الرحلة الدراسية المزعومة إلى تجربة قاسية، انتهت ببعضهم في أوضاع إنسانية حرجة، سواء داخل الصين أو في دول أخرى، من بينها تايلاند، حيث عاشوا التشرد وانعدام الموارد.
انكشاف هذه القضية جاء عقب شكاية رسمية وضعها والد إحدى الضحايا لدى المصالح الأمنية، كشف من خلالها أن ابنته عالقة بالخارج وتعيش وضعاً مأساوياً، بعد أن سافرت بناءً على وعود تبين لاحقاً أنها وهمية ولا أساس لها.
هذه الشكاية كانت كفيلة بإطلاق تحقيقات ميدانية دقيقة، مكنت من رصد خيوط العملية وتحديد هوية المشتبه فيهما، قبل توقيفهما وإحالتهما على العدالة، التي قررت متابعتهما في حالة اعتقال، في انتظار استكمال المسار القضائي والكشف عن كافة الامتدادات المحتملة لهذا الملف.
قضية تعيد إلى الواجهة خطورة شبكات “الوساطة الوهمية”، وتطرح أكثر من علامة استفهام حول استغلال أحلام الشباب في الهجرة والدراسة، وتحويلها إلى وسيلة للنصب والاتجار في الأوهام.