على بعد أيام قليلة فقط من انطلاق كأس إفريقيا، تقف مراكش في قلب العاصفة الإيجابية. مدينة عُرفت عبر التاريخ بأنها وجه المغرب السياحي، وأنها بوابة ثقافية نحو العالم، تجد نفسها اليوم أمام امتحان جديد، لا يتعلق فقط بجمالية الواجهات ولا بتزيين الشوارع، بل بقدرتها على تقديم صورة بلادٍ يُراهن على نجاح تظاهرة قارية تُتابعها العيون من طنجة إلى كيب تاون.
والمفارقة أن مراكش، التي يُفترض أن تكون جاهزة قبل الجميع، ما تزال تُظهر بعض التفاصيل التي لا تليق بمدينة تستعد لحدث بهذا الحجم. الشوارع في بعض المناطق لم ترتد بعد حُلّتها النهائية، علامات التشوير ما تزال غائبة في أماكن معينة، واجهات لم تُرمّم، أوراش توقفت فجأة وكأن الزمن تجمّد. وهذا ليس نقداً مجانياً، بل توصيف واقعي يجعل السخرية هنا حقاً مشروعاً من باب الغيرة على مدينة تستحق أفضل مما يُقدَّم لها.
لكن الأمر يتجاوز الشكل الخارجي. فمراكش ستستقبل خلال البطولة منتخبات قادمة من بعض الدول المعروفة بعدائها الصريح للوحدة الترابية للمغرب. وهنا تكمن الحساسية. فالخصوم لا ينتظرون سوى هفوة صغيرة، أو منظر غير لائق، أو مشهداً عشوائياً ليُحوّلوه إلى مادة إعلامية مُغذية لحملات اعتادوا شنّها. ولذلك، فالتساؤل الساخر الذي يفرض نفسه: هل يعلم بعض المسؤولين أن البطولة ليست مجرد مباريات تُلعب على العشب الأخضر، بل هي معركة صورة، وواجهة دبلوماسية، ولحظة تستدعي أعلى درجات الانضباط؟
من حقنا أن نندهش مثلاً حين نرى بعض النقاط السوداء التي ما تزال قائمة. أحياء مهمّة تعرف اختناقاً مرورياً دون حلول واضحة، مرافق يفترض أن تكون في جاهزية “تعطينا وجه”، لكنها ما تزال تنتظر إصلاحات متأخرة. طرق جانبية لم تُعالج رغم أنها ممرّات سيعبر منها آلاف الزوار. وحتى الإنارة العمومية التي تُمثل أول مؤشّر حضاري لأي مدينة، تعرف في بعض المناطق ارتباكاً غير مفهوم، وكأن لا أحد أخبر هؤلاء المسؤولين بأن كأس إفريقيا ليست نزهة نهاية أسبوع.
والسخرية هنا لا تعني التقليل من جهود الدولة، فالمغرب أثبت قدرته مراراً على تنظيم تظاهرات عالمية بحرفية عالية. لكن ما يحدث في بعض زوايا مراكش يجعل المتابع يتساءل إن كان هناك من يراهن على “الوقت بدل الضائع”، وكأن الأيام الإضافية ستنبت معجزات. البطولة فرصة ذهبية لتلميع صورة البلاد، لعرض قوة البنية التحتية، ولإرسال رسالة سياسية راقية للدول التي لا تزال تراهن على خطاب قديم تجاوزه الزمن. فلماذا نترك لهم مجالاً يستغلونه ضدنا بسبب تقصير كان يمكن معالجته بقليل من الجدية؟
إن مراكش ليست مجرد مدينة تحتضن مباريات؛ إنها مرآة وطن. لذلك، من الطبيعي أن نُطالب اليوم بتدارك الاختلالات بسرعة وبحزم، قبل أن يجد خصوم المغرب ما يُغذّون به حملاتهم. فلا يعقل أن ننفق الملايير على مشاريع استراتيجية ثم نتعثر في تفاصيل بسيطة كالنظافة، التنظيم، والتشوير. هذه التفاصيل الصغيرة هي التي تصنع الانطباع، وهي التي يُبنى عليها الحكم في أعين الإعلام الدولي.
وفي الختام، نحن لا نكتب بدافع التهكم، بل بدافع المحبة. نُسائل، ننتقد، ونسخر حين يلزم، لأن مدينة بحجم مراكش لا تُسامح في التفاصيل. البطولة على الأبواب، والزوار في الطريق، والخصوم يراقبون. فهل ننتظر أن يُذكّرنا أحد من الخارج بما يجب أن نفعله في الداخل؟ أم نتدارك الأمر ونقدم لمراكش ما تستحقه من اهتمام يليق بتاريخها وصورتها؟