كلّهم يضعون أيديهم على قلوبهم عند رؤيتي… كيف تحوّل جرح نيكوليتا إلى اختبار لنبض المغاربة الحقيقي»
«كلّهم يضعون أيديهم على قلوبهم عند رؤيتي… كيف تحوّل جرح نيكوليتا إلى اختبار لنبض المغاربة الحقيقي»
أكتب هذه السطور والغضب يغلي في دمي، غضب على جريمة بشعة طعنت امرأة جاءت باحترام ومحبة إلى مراكش، امرأة اسمها نيكوليتا، فأقول لها من القلب قبل أي شيء: “Nicoletta, you were never alone, not even for a second — Morocco held you with its heart before its hands.” وأقول لها أيضاً بكل حب: “Every person who looked at you with sorrow was telling you: you are safe, you are protected, and you matter to us.” لكن خلف هذا الحب الكبير، هناك غضب بركاني على فعل جبان لا يشبه هذا البلد. ما وقع لم يكن نشلاً ولا سرقة—كان اعتداءً خسيساً، غدراً من الخلف، إسقاطاً عنيفاً على حجر صلد، محاولة قتل بكل ما تحمله الكلمة من معنى. هؤلاء ليسوا رجالاً، وليسوا أبناء مدينة تُعرف بالشرف؛ هؤلاء ظلّان بلا نخوة، يستحقان أقسى العقاب وأشدّ الحساب.
لكن بينما كانت الجريمة ظلاماً، كشف ردّ الناس نوراً أعمق من الجرح. نيكوليتا التي ارتطم رأسها بالحجارة، والتي غاب وعيها والدم يغطي وجهها، لم تسقط وحدها. هرع إليها أصحاب الدكاكين بلا تردد، وسائحون كانوا قربها، وحتى رجل بلا مأوى خرج من صندوقه ليحمل معها الألم. كان الخجل في عيونهم يقول: ما حدث لا يمثلنا، ما حدث جرح في ضميرنا قبل أن يكون جرحاً في رأسك.
في المستشفى، ظهر جانب آخر من المغرب: ممرضات بقلوب أمّهات، طبيب بابتسامة تطمئن قبل أن تخيط، شرطة وصلت فوراً لترتيب الإجراءات وكأنهم أقرباء لا غرباء. وسط الخوف والغثيان واضطراب الرؤية، وجدت نيكوليتا نفسها محاطة بقلوب لا تقلّ تماسكاً عن أي عائلة.
ثم جاء الباب المغلق في المطار، حين وقف البيروقراطيون ببرود أمام امرأة تتقيأ منذ يومين وتفقد توازنها. ومع ذلك… لم يتركها المغرب. لأن هذا البلد، رغم مشاكله، يعرف تماماً معنى أن تترك بابك مفتوحاً للضيف.
وحين خرجت إلى الشارع يوم الأحد، بوجه متورّم وعين نصف مغلقة، تغيّرت المدينة. الناس يضعون أيديهم على قلوبهم عند رؤيتها. كلمات الاعتذار تتدفق من قلوبهم قبل أفواههم: الله يشافيك، سامحينا. كانوا يعانقونها، يقبّلون رأسها، يلمسون يدها برفق كأنها ابنتهم أو أختهم. صاحب مطعم رفض أخذ ثمن الطعام. سائق طاكسي عرض أن تستريح في بيته. البائع السنغالي وضع يده على صدره وقال: “أنا آسف”… وكأن الجرح في قلبه هو.
انتشر فيديو الاعتداء بسرعة، لكن انتشاره لم يكن بسبب الشماتة أو الفضول؛ بل لأن المغاربة شعروا أن الكرامة طُعنت. كانوا يريدون للعالم أن يسمع صوتهم، لا صوت المجرمين. كانوا يريدون لنيكوليتا أن تعرف أنها ليست رقماً في خبر، بل إنسانة اعتبرها المغرب واحدة منه.
وفي القطار المتجه إلى الدار البيضاء، بين الصحراء الحمراء وظلال الأطلس، بدأت نيكوليتا تستعيد أنفاسها. وجوه الناس، حديثهم الهادئ، ضحكات الطالبات، دفء العائلات… كل ذلك أعاد لها شيئاً من السلام رغم الجرح. أنهت وثائق القنصلية، وعادت إلى مراكش، ثم وقفت أمام الطائرة وقد اختلط في قلبها الخوف والامتنان