لم يعد مجال العمل الخيري فضاءً مفتوحًا للاجتهاد أو حسن النية غير المؤطرة، بل أصبح خاضعًا لرقابة قانونية صارمة، في ظل تنبيهات متكررة من السلطات المختصة بضرورة الالتزام الدقيق بالمساطر المنظمة للإحسان العمومي، تفاديًا لأي تجاوزات قد تجر أصحابها إلى المساءلة القانونية.
فالسلطات تُذكر، بشكل واضح لا يقبل التأويل، أن كل نشاط إحساني أو حملة لجمع التبرعات خارج الإطار القانوني تُعد مخالفة صريحة للقانون، مهما كانت الشعارات المرفوعة أو النوايا المعلنة. ويؤكد الإطار القانوني الجاري به العمل أن الإحسان العمومي لا يُمارس إلا بترخيص مسبق، مع التصريح بلائحة الداعمين، وتحديد طبيعة المداخيل وأوجه صرفها بدقة.
ويشدد القانون رقم 18.00 المتعلق بالإحسان العمومي على أن أي جمع للأموال دون ترخيص يُعرّض القائمين عليه للعقوبات، كما يُلزم الجمعيات بتوثيق كل عملية مالية بوثائق قانونية معتمدة، من فواتير وتحويلات بنكية، مع منع التعاملات غير المصرح بها أو غير القابلة للتتبع. فالأموال التي تدخل يجب أن تكون مُثبتة، والتي تخرج يجب أن تكون مُبرَّرة، وأي إخلال بذلك يضع الجمعية في دائرة الشبهات القانونية.
كما يُذكّر ظهير 15 نونبر 1958 المنظم لحق تأسيس الجمعيات، في صيغته المعدلة، بأن الجمعيات ملزمة باحترام طابعها غير الربحي، وبالامتناع عن أي تصرف مالي أو تنظيمي قد يُفهم على أنه تحايل أو استغلال لصفة العمل الجمعوي. ويمنح هذا الظهير للسلطات صلاحيات واسعة في المراقبة، واتخاذ الإجراءات اللازمة في حق كل من يخرق القانون.
ولا يتوقف الأمر عند حدود القوانين التنظيمية، إذ إن القانون الجنائي يفتح الباب أمام تكييف بعض الخروقات كأفعال جرمية، خصوصًا عندما يتعلق الأمر بجمع أموال دون سند قانوني، أو التصرف فيها خارج الأهداف المصرح بها، أو غياب التوثيق والمحاسبة، وهي أفعال قد تُصنف ضمن جنح يعاقب عليها القانون بعقوبات زجرية.
إن الرسالة التي تبعثها السلطات واضحة: العمل الخيري ليس منطقة رمادية ولا مجالًا للتسامح مع المخالفات. فالتنبيه اليوم هو آخر فرصة للتصحيح، أما التمادي في خرق المساطر القانونية فقد يفتح الباب أمام تطبيق صارم للقانون، دون استثناء أو تأويل.
فالشفافية لم تعد خيارًا أخلاقيًا فقط، بل واجبًا قانونيًا، ومن لم يستوعب ذلك، فعليه أن يُدرك أن القانون حاضر… والجزاء قادم.