بقلم: ذ. الحسين العطشان
لم يكن تتويج المنتخب المغربي بالكأس مجرّد نتيجة رياضية، بل خلاصة مسار شاقّ صُنِع في ظروف استثنائية، قادها مدرب قرأ الواقع جيدًا قبل أن يقرأ الخصوم. طارق سكيتيوي قدّم نموذجًا لمدرب يشتغل بما هو متاح، ويُحوّل الإكراه إلى فرصة، ويصنع الإنجاز من تفاصيل صغيرة تراكمت بهدوء حتى أثمرت لقبًا مستحقًا.
من مباراة إلى أخرى، بدا المنتخب المغربي أكثر تماسكًا وتوازنًا، وأكثر قدرة على التحكم في نسق اللعب، وهو تطور لم يكن وليد الصدفة، بل نتيجة عمل تكتيكي دقيق، قوامه حسن التموقع، وضبط الأدوار، واستثمار الإمكانات المتوفرة بأقصى مردودية.
مكونات محدودة… وطبخ تحت الضغط
دخل المنتخب البطولة وهو يفتقد لعدد من عناصره الأساسية، بسبب إصابات سبقت الانطلاقة، وحرمت الطاقم التقني من لاعبين وازنين، من قبيل المليوي، مهري، وأشرف بن شرقي، إلى جانب أسماء أخرى غابت في صمت. وزادت الإكراهات بفعل تعقيدات مرتبطة بتسريح اللاعبين من أنديتهم، وغياب بعض العناصر رغم عدم الاعتماد عليها لاحقًا في المنافسات القارية.
كما أن فترة التحضير كانت قصيرة ومضطربة، في ظل ظروف تنظيمية ولوجستيكية صعبة، خاصة خلال التوجه إلى قطر، حيث سافرت البعثة المغربية في البداية بعدد محدود من اللاعبين، فيما التحق الباقون تباعًا، في وضعية غير مألوفة لمنتخب يشارك في استحقاق قاري.
مدرب يعرف كيف يُوازن النكهات
وسط هذا السياق، برز سكيتيوي كـ“طباخ كروي” يعرف كيف يُوازن النكهات، ويُخرج أفضل ما في الوصفة، دون إسراف أو مغامرة غير محسوبة. لم يبحث عن الكمال، بل عن الانسجام، ولم يُراهن على الأسماء اللامعة، بل على الانضباط والالتزام الجماعي.
غيّر في الخطط، صحّح المسارات، ومنح الفرصة لمن كان جاهزًا، فظهر المنتخب بصورة متماسكة، تجمع بين الصلابة الدفاعية والنجاعة الهجومية، وتُجسّد روحًا قتالية عالية، عنوانها الإيمان بالعمل قبل أي شيء آخر.
تتويج يفتح باب الأسئلة
هذا التتويج لا يختزل فقط قيمة اللاعبين، بل يسلّط الضوء على كفاءة المدرب الوطني حين تُمنح له الثقة. فما قدّمه سكيتيوي، في سياق مليء بالعراقيل، يجعله اسمًا مطروحًا بقوة ضمن دائرة الاختيارات المستقبلية، ويضعه في موقع من يفرض النقاش، ويُقدّم نفسه كبديل جاهز لتحمّل مسؤوليات أكبر متى دعت الحاجة.
الأسود لا تتغير ألوانهم
التحية لكل اللاعبين المغاربة الذين دافعوا عن القميص الوطني بروح عالية، وأثبتوا أن قوة المنتخب المغربي تكمن في جماعيته، لا في وفرة أسمائه. فحين يُحسن المدرب اختيار التوابل، وتُطبخ المباراة على نار هادئة، يكون الكأس نتيجة طبيعية لمسار متقن