مرة أخرى، تستفيق مدينة طنجة مساء امس الخميس على خبر ليس غريبًا، لكنه بالغ الخطورة. فقد أسفرت عملية أمنية نوعية عن توقيف أربعة أشخاص، جرى ضبطهم في حالة تلبس بترويج المخدرات، في مشهد يعكس حجم التحدي الذي تفرضه هذه الظاهرة داخل أحياء المدينة.
التوقيف، الذي تم بتنسيق محكم بين مصالح الأمن الوطني والمديرية العامة لمراقبة التراب الوطني «الديستي»، كشف عن نشاط إجرامي منظم يقوم على ترويج أقراص مهلوسة معروفة في الشارع باسم «القرقوبي»، إلى جانب مخدري الكوكايين والشيرا، دون اكتراث بالقانون أو بالعواقب الاجتماعية الوخيمة.
1.767 قرصًا مخدرًا ليست رقمًا عابرًا في محضر ضبط، بل مؤشر خطير على حجم الدمار الذي تتسبب فيه هذه السموم. فـ«القرقوبي» لا يستهدف الشباب فقط، بل يفتك بالعائلات، ويغذي دوائر العنف والسرقة والانحراف، ويحوّل بعض الأحياء إلى بؤر توتر دائم.
ويزداد المشهد قتامة مع انتشار الكوكايين، الذي لم يعد حبيس دوائر ضيقة، ومع الشيرا التي تُقدَّم باعتبارها «مخدرًا رخيصًا»، لكنها في الواقع باهظة الكلفة اجتماعيًا وأمنيًا. مخدرات كانت جاهزة للترويج، موزونة بميزان إلكتروني، ومحروسة بسلاح أبيض، في صورة لا توحي بانحراف عابر، بل بمشروع إجرامي منظم.
الخطورة لا تكمن فقط في كمية المخدرات المحجوزة، بل في الأسئلة التي تفرض نفسها بإلحاح:
كم شخصًا مرّ قبل هؤلاء دون أن يُكتشف؟
وكم قرصًا تم ترويجه قبل أن تتحرك المصالح الأمنية؟
صحيح أن التنسيق بين أمن طنجة و«الديستي» وجّه ضربة قوية لهذه الشبكة، وهو مجهود يُحسب للمصالح المختصة، غير أن الحرب على القرقوبي والكوكايين والشيرا ليست حملة ظرفية، بل معركة طويلة تتطلب الاستمرارية، والصرامة، والمحاسبة دون أي تساهل.
طنجة مدينة كبرى، وسياحية، ومفتوحة على العالم، لكنها لا يمكن أن تتحول إلى ملاذ آمن للمروجين وجحيم يومي للأسر. توقيف أربعة اليوم خطوة مهمة، غير أن الرهان الحقيقي يبقى في تفكيك الشبكات، وملاحقة المتورطين، ومساءلة كل من يغضّ الطرف عن هذه الجرائم.
فالقرقوبي لا يعرف الرحمة، والكوكايين لا يسأل عن العمر، والشيرا لا تفرّق بين حي راقٍ وآخر شعبي. وإذا لم تُواجه هذه السموم بحزم حقيقي، فإن كلفتها ستظل أكبر بكثير من أي رقم يُدوَّن في محضر رسمي.