في مراكش، كما في مدن كثيرة عبر العالم، يحتفظ إطعام الحمام بجاذبيته الإنسانية الخاصة. لحظة بسيطة تجمع بين القلب الذي يميل إلى الرحمة، والإنسان الذي يجد في منح لقمة لمخلوق ضعيف معنى من معاني الخير. غير أن هذا الفعل، مهما بدا بريئًا، يطرح أسئلة عميقة حين يلامس الفضاء العام ويؤثر على توازن المدينة ونظامها.
فالناس الذين يضعون الطعام للحمام لا يفعلون ذلك بدافع التخلص من بقايا الأكل، بل بدافع التعاطف والرغبة في الإحسان. لكن العقل، وهو ينظر إلى الصورة الكاملة، يطرح سؤالًا مشروعًا:
متى يبقى الإحسان إحسانًا، ومتى يتحول دون قصد إلى سبب للفوضى؟
الصور التي التُقطت من مراكش تُظهر بوضوح هذا التداخل بين النية الطيبة والمآلات غير المحسوبة. الحمام يتجمع في نقاط محددة بمجرد إلقاء الطعام، وهذا التجمع قد لا يكون دائمًا صحيًا، لا للطيور ولا للمكان. فالمدينة ليست فقط فضاءً للعاطفة، بل فضاءٌ منظم، يعيش فيه الناس والطيور والسلطات في توازن دقيق يحتاج إلى احترام.
إن الإحسان الحقيقي لا يقوم على النية وحدها، بل يقوم أيضًا على حكمة التنفيذ. الرحمة لا تعارض النظام، بل تحتاجه لكي تظل رحمة بالفعل. فإطعام الحمام بطريقة عشوائية قد يؤدي إلى نتائج غير مرغوبة:
ازدحام في نقاط معينة، تراكم الطيور، تأثير على النظافة، وإثارة نقاشات بين المواطنين حول جدوى استمرار هذا السلوك دون ضوابط.
الهدف ليس منع الرحمة، ولا تحويل فعل جميل إلى مشكلة، بل إيجاد توازن بين القلب الذي يريد الخير والعقل الذي يحرص على احترام الفضاء العام. وهذا ما دفع بعض المدن إلى تنظيم إطعام الطيور بدل منعه، عبر تخصيص أماكن مناسبة للطعام، أو تحديد أوقات معينة، أو استعمال حبوب مصرح بها بدل بقايا الأكل.
مراكش اليوم تطرح سؤالًا أكبر من مجرد لقمة للحمام؛ تطرح سؤالًا عن كيف يمكن للخير أن يمارس دون أن يتحول إلى عبء. وعن كيف يمكن للمدينة أن تحتضن الرحمة ضمن نظام يحترم البيئة والصحة العامة وسكينة السكان.
الرحمة لا تعني الفوضى.
والقلب والعقل ليسا خصمين… بل شريكان كي يبقى الخير خيرًا، وكي تبقى المدن أماكن جميلة تتسع لإنسانيتنا دون أن تتأذى من مبادراتنا