Preloader Image
news خبر عاجل
clock
المجلس الجماعي لمدينة مراكش… سياسة الرهان على الدقيقة 90 وجودة تُدفع ثمنها الساكنة

المجلس الجماعي لمدينة مراكش… سياسة الرهان على الدقيقة 90 وجودة تُدفع ثمنها الساكنة

في مراكش، لم يعد مفهوماً ولا مقبولاً أن تستمر المدينة في العيش على إيقاع الارتجال، وكأن تدبير الشأن الحضري لا يتحرك إلا عندما تقترب المواعيد الكبرى، أو حين تصبح الصورة على المحك. فالمجلس الجماعي لمدينة مراكش يبدو، في كل مرة، وكأنه يراهن على “الدقيقة التسعين”، معتمداً منطق الاستعجال بدل التخطيط، والترقيع بدل الجودة، والواجهة بدل العمق.

ما تعيشه شوارع وأحياء المدينة اليوم ليس وليد الصدفة، بل نتيجة مباشرة لسياسة تدبيرية أثبتت محدوديتها. أوراش تُفتح فجأة، حفريات تظهر في أكثر من نقطة دون أي انسجام، طرق تُغلق ثم تُفتح ثم تُغلق من جديد، في غياب رؤية واضحة أو برنامج زمني يُحترم. النتيجة واحدة: معاناة يومية للساكنة، اختناق مروري، وخسائر مادية ومعنوية يتحملها المواطن وحده.

الحديث هنا ليس عن ورش معزول أو شارع بعينه، بل عن نمط متكرر. شركات مفوض لها إنجاز الأشغال، لكنها تشتغل بعقلية “اقضِ الغرض”، دون احترام لمعايير الجودة، ولا لتناسق التدخلات، ولا حتى لسلامة مستعملي الطريق. الأشغال تُنجز على مراحل متقطعة، بلا لوحات إرشادية واضحة، ولا تنسيق بين مختلف المتدخلين، وكأن المدينة تُدار بمنطق التجزئة لا بمنطق التدبير الشامل.

الأخطر من ذلك، أن هذه الأشغال غالباً ما تُسرّع وتيرتها عندما يكون حدث وطني أو دولي على الأبواب. هنا يتحول الفضاء العمومي إلى مسرح تجميل مستعجل، تُخفى فيه العيوب مؤقتاً، فقط ليبدو المشهد “مقبولاً” أمام الزوار والكاميرات. لكن ما إن تمر المناسبة، حتى تعود الاختلالات للظهور، وربما بشكل أسوأ، لتؤكد أن ما أُنجز لم يكن إصلاحاً حقيقياً، بل مجرد طلاء فوق شقوق عميقة.

ساكنة مراكش لم تعد تنخدع بهذه الأساليب. المواطن الذي يقضي ساعات في الازدحام، أو يتلف سيارته بسبب الحفر، أو يغامر بسلامته وسط أشغال غير مؤمنة، يدرك جيداً أن المشكلة ليست في نقص الإمكانيات، بل في غياب الحكامة وربط المسؤولية بالمحاسبة. فمدينة بحجم مراكش، وبهذا الرصيد السياحي والتاريخي، لا يمكن أن تُدار بعقلية ردّ الفعل.

إن الرهان على “الدقيقة التسعين” قد يصلح في مباراة كرة قدم، لكنه في تدبير مدينة هو وصفة للفشل. مراكش تحتاج إلى تخطيط استباقي، إلى برامج واضحة تُنجز في وقتها، وإلى شركات تُحاسَب على الجودة لا على سرعة الترقيع. تحتاج إلى مجلس جماعي يضع مصلحة الساكنة في صلب قراراته، لا أن يجعلها تدفع ثمن كل استعجال وكل ارتجال.

ما يحدث اليوم ليس مجرد خلل تقني، بل أزمة تدبير. وأي محاولة لتلميع الصورة دون معالجة جوهر الاختلال، لن تؤدي إلا إلى تعميق فقدان الثقة بين المواطن والمؤسسات المنتخبة. فمراكش لا تحتاج إلى إصلاحات موسمية، بل إلى رؤية دائمة تحترم الإنسان والمجال والتاريخ.

اترك ردا

إلغاء الرد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.

اخبار ذات صلة

تابعنا

أفضل الفئات

يرجى قبول ملفات تعريف الارتباط لتحسين الأداء