Preloader Image
news خبر عاجل
clock
الخطارة: إرث يُهدم في مراكش… ويُخلَّد في تركيا

الخطارة: إرث يُهدم في مراكش… ويُخلَّد في تركيا


بقلم : ذ الحسين العطشان 

لم تكن الخطارة في تاريخ المغرب مجرّد مرفق مائي، بل كانت معجزة هندسية سبقت علم القياسات الحديثة بقرون. شقّها الأجداد في ص silence تام، يضبطون انحدار النفق بدرجة لا تتجاوز أحياناً واحداً في الألف، حتى يسير الماء تحت الأرض عشرات الكيلومترات دون ضخّ أو آلات. ومن هذه الخطارات، خطّارة العركية التي كانت تسقي بساتين مراكش لسنوات طويلة، وخطّارات تامنصورت وتمصلوحت التي شكّلت شرايين الحياة قبل ظهور السدود.

لكن اليوم، وفي مفارقة موجعة، تُهدم هذه المنشآت في محيط مراكش تحت ضغط التوسع العمراني والمضاربات العقارية. يُجرف التراب، تُردم الفتحات، وتُقطع الأنفاق القديمة دون دراسة أو احترام لذاكرة المكان. وما يُهدم ليس حفراً في الأرض، بل تاريخاً مائياً حمل حياة الناس، وسقى ضيعات الزيتون، وروى نخيل الواحات، وحمى الفرشات الجوفية من الاستنزاف.

في المقابل، نجد التجربة التركية تقدّم نموذجاً مضيئاً في صون هذا التراث. فالقنوات التقليدية من نوع Kariz/Karez تُعامل كمعالم وطنية.

في ماردين مثلاً، خضعت القنوات القديمة لبرنامج ترميم شامل، أعاد تبليط الأنفاق، وتنظيف المجاري، وصيانة الفتحات الرأسية. وفي دياربكر، حُوّلت بعض المنابع المرتبطة بالقنوات إلى مراكز تفسير (Interpretation centers) تُشرح فيها للزوار تقنيات الحفر، وأدوات البنّائين، وكيف كان الماء يُقتنص من بطون الجبال.

أما في منطقة شانلي أورفا، فقد صار "كريز هاران" نموذجاً لدور التراث المائي في التنمية؛ إذ أصبح موقعاً تعليمياً يزوره الطلبة لمعرفة كيف عاش الأجداد في بيئة جافة دون أن تهزمهم قسوة المناخ.

ومثال آخر لافت هو قناة حسن كيف في شرق الأناضول، التي لم تُهدم رغم مشروعات التهيئة الكبرى، بل تم تحويل مسارها تدريجياً وحمايتها لتبقى شاهداً على براعة الأسلاف في فهم الأرض وإدارة الماء.


المقارنة تفرض نفسها بقوة:

- في مراكش: الخطارات تُهدم في صمت، ويُعامل التراث كأنه عقبة أمام “التنمية”، بينما هو في الأصل أساسها.

- في تركيا: القنوات تُرمَّم، تُوثَّق، تُدرَّس، وتُستثمر في السياحة والثقافة والتنمية المستدامة.

إن الخطارة ليست حجراً ولا حفرة، بل عقلٌ هندسي وذاكرة جماعية، وجزء من الهوية التي تُعرّف المكان. وما يُهدم اليوم من تراث مراكش لا يمكن إعادة بنائه، لأنه بناء روحي وتقني شارك فيه الزمن، والمهارة، ونَفَس حضاري طويل.

الحفاظ على ما تبقى ليس ترفاً، بل ضرورة لإنقاذ ما بقي من حكمة الأجداد قبل أن تتحول الذاكرة إلى فراغ.

اترك ردا

إلغاء الرد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.

اخبار ذات صلة

تابعنا

أفضل الفئات

يرجى قبول ملفات تعريف الارتباط لتحسين الأداء